السبت، 21 نوفمبر 2009

سـيرة

محمد المهدي المجذوب



البُنيّاتُ فى ضرام الدلاليك تسترن فتنةً وانبهارا**

من عيونٍ تلفّتَ الكحلُ فيهنّ وأصغى هُنيهةً ثمّ طارا



نحن جئنا إليك يا أمّها الليلة بالزين والعديل المنُقّى

نحن جئناك حاملين جريد النخل فألا على اخضرارٍ ورزقا



العذارى ألوانهن الرقيقات نبات الظلال شف َّ وحارا

رأمته الخدور ينتظرُ الموسم حتى يشع نورا ونارا

ينبرى الطبل ينفض الهزج الفينان طيراً تفرقاً واشتجارا

موكب من مواكب الفرح المختال عصراً فى شاطىءِ النيل سارا

الجمال الغرير يسفر غفلان فلم ننس فى الزحام الجوارا

والعبير الحنون هلل فى صدرى طيفاً موصلاً واعتذارا

نحن جئنا إليك يا أمها الليلة بالزين والعديل المنقى

نحن جئناك حاملين جريد النخل فألا على إخضرارٍ ورزقا



ومشى بالبخور من جعل الخدمة فى الحى نخوة وابتدارا

حافيا مسرع الخطى باسم النجدة حيّا حفاوةً وابتشارا

وعجوز تحمست حشدت شعراً تعالى حماسة وافتخارا

قلبت صوتها تأمل أمجاداً قُدامى فرق حيناً وثارا



رفعت فوق منكب طبلها الصيدح تحت الأكف خفقا

يتغنى لأنفس إن تشهيّن طلبن الحلال قسماً وحقّا

وتشيل البنات صفقا مع الطبل ورمقاً من العيون ورشقا

وغزالٍ مُشاغبٍ أصلح الهدم أرانى فى غفلةِ النّاس طوقا



تتصدى حمامة كشفت رأسا وزافت بصدرها مستطارا

شلوخها حتى تُضيىء فأضمرت حناناً لأُمها واعتذارا

وطنى كم بكيتُ فيك وخانوك وصدقت دينهم والدمارا

نحن جئنا إليك يا أمها الليلة بالبحر والعريس والمنقى



حجبوها وليّنوا العيش ما كان حجاب الكنين قيداً ورقا

هى ستُّ البنات ستُّ أبيها كرماً يحفظ الجوار وصدقا

وجلوها فريدة جفل الغواص عن بحرها خطاراً وعمقا

وهوى عاشق وطار وأهوى السوط رعداً بمنكبيه وبرقا

يتحدى عقوبة الصبر فالحرمان أمسى من السياط أشقا

مُهرة’’ حرة’’ وتنتظر الفارس يحمى حريمها والذِّمارا

وأتاهُ العبير من خمل الشبال حياه جهرة لا سرارا

موعد لا لقاء فيه وتاجوج تولت عفافة وانتصارا

وبنان توضحت وطواها الثوب حيا ببسمة تتوارى

نفضت عن سوارها بصرى يسعى إلأيها فما تحب الحوارا

لهف نفسى على صباى الذى كان وما فيه من لعاب العذارى

من عذيرى من غربة أخذت روحى وألأقت علىَّ وجها مُعارا



ما سقتنى على الظّما شفة’’ خضراءُ أحلى من الزُلال وأنقى

كشفت وجهها وزينتها الحُسنى وكم أشتهى وكم تتوقّى

غسلت مُهجتى بطهر سجاياها فلم ترض أن نهون ونشقى

سُنّةُ العشقِ فى بلادى كتمانُُ وبُقيا على المحارم وثُقى

وأفترقنا على حنان نُواسيه وكان الفراقُ جداً ورفقا

أنا أهواك يا بلادى ما واليتُ غرباً ولا تبدلت شرقا

ما طموح الموظفين إلى الجاه طموحى ، مع المساكين أبقى

آه من قريتى البرئية لا تعلم كم فى مدينة الترك أشقى

فندق لا جوار فيه ولا أرحام تنهى ولا معارف تبقى

وطوانى الدُّجى هناك ومصباحى عمىُُ فى صخرة الليل يرقى

أشتهى الدلكة العميقة والكركار والقرمصيص ماج ورقا

وبعينى قوافل النخل والنيل حداها تجيىءُ وسقاً فوسقا

بردت جرَّتى وذا القرع المنقوش يسقى حلاوة النيل طلقا

بعض الرحيق أنا والبرتقالة أنت

محمد المكي إبراهيم






الله يا خلاسيه

يا حانةٌ مفروشةٌ بالرمل

يا مكحولة العينين

يا مجدولة من شعر أغنية

يا وردة باللون مسقيّه

بعض الرحيق أنا

والبرتقالة أنت

يا مملوءة الساقين أطفالا خلاسيين

يا بعض زنجيّه

يا بعض عربيّه

وبعض أقوالى أمام الله

***

من اشتَرَاكِ اشترى فوح القرنفل

من أنفاس أمسيه

أو السواحل من خصر الجزيرة

أو خصر الجزيرة

من موج المحيط

وأحضان الصباحيّه

من اشتراك اشترى

للجرح غمداً

وللأحزان مرثيه

من اشتراك اشترى

منى ومنك

تواريخ البكاء

وأجيال العبوديه

من اشتراك اشترانى يا خلاسيه

فهل أنا بائع وجهى

وأقوالى أمام الله

***

فليسألوا عنك أفواف النخيل رأت

رملاً كرملك

مغسولاً ومسقياً

وليسألوا عنك أحضان الخليج متى

ببعض حسنك

أغرى الحلم حوريه

وليسألوا عنك أفواج الغزاة رأت

نطحاً كنطحك والأيام مهديه

***

ليسألوا

فستروى كلُ قمريه

شيئاً من الشعر

عن نهديك في الأسحار

وليسألوا

فيقول السيفُ والأسفار.

***

يا برتقالة

قالوا يشربونك

حتى لا يعود بأحشاء الدفاق رحيق

ويهتكون الحمى

حتى تقوم لأنواع الفواحش سوق

والآن راجوا

فظلّ الدن والإبريق

ظلت دواليك تعطى

والكؤوس تدار

***

هزّى إليك بجذع النبع

واغتسلى

من حزن ماضيك

في الرؤيا وفي الإصرار

هزّى اليك

فأبراج القلاع تفيق

النحل طاف المراعى

وأهداك السلام الرحيق

الشرق الأحمر

والنعمى عليك إزار

نجرى ويمشون للخلف

حتى نكمل المشوار

***

طاف الكرى بعيون العاشقيك

فعادوا منك بالأحلام

ما للعراجين تطْواح

وليس لأطيار الخليج بغام

النبعُ أغفى وكلّ الكائنات نيام

إلا أنا

والشّذى

ورماح الحارسيك قيام.

***

متى تجاوزتهم

وثباً إليك أجئ

شعرى بليل

وحُضنى بالورود ملئ

فلتتركى الباب مفتوحا

وحظى في الفراش دفئ

ولتلبسى لى غلالات الشذ ى

وغناء النبع والأشجار

فلى حديث طويل

مع نهديك في الأسحار

يا برتقاله

ساعات اللقاء قصار

تأملينى في الصباح أطلْ

البحر ساجٍ

وتحفافُ النخيل غزل

وبركة القصر بالنيلوفر ازدحمت

والنحل أشبع كاسات الزهور قبل

واننى الآن أزهى ما أكون

وأصبى من صباى

ومكسياً من النور الجديد إزار

تأملينى فإن الجزر أوشك

- إنى ذاهب-

ومع المدّ الجديد سآتى

هل عرفتينى؟

في الريح والموج

في النوء القوى

وفي موتى وبعثى سأتى

فقولى قد عرفتينى

وقد نقشت تقاطيعى وتكوينى

في الصخر والرمل ما بين النراجين

وإنى صرت في لوح الهوى تذكار

والآن

***

لا شابعاً من طيب لحمك

أو ريّان منسكب نهديك أمضى

فأوعدينى أن ستدعونى

الى فراشك ليلا آخر

وتطيليه علىّ بشعرك

في زندى

***

ولونك في لوني وتكوينى

فنيتُ فيك فضمينى

الى قبور الزهور الاستوائيه

الى البكاء

واجيال البعوديه

ضُمّى رفاتى

ولفّينى بزندك

ما أحلى عبيرك

ما أقواك

عاريةً وزنجيه

وبعض أقوالى أمام الله

مليط

محمد سعيد العباسي




حيّاكِ «ملّيطُ» صوبُ العارضِ الغادي وجاد واديكِ ذا الجنّاتِ من وادِ
فكم جلوتِ لنا من منظرٍ عَجَبٍ يُشجي الخليَّ ويروي غُلّةَ الصادي
أنسَيْتِني بَرْحَ آلامي وما أخذتْ منا المطايا بإيجافٍ وإيخاد
كثبانُكِ العفرُ ما أبهى مناظرَها أُنسٌ لذي وحشةٍ، رِزقٌ لمرتاد
فباسقُ النخلِ ملءُ الطرفِ يلثم من ذيلِ السحابِ بلا كدٍّ وإجهاد
كأنه ورمالاً حوله ارتفعتْ أعلامُ جيشٍ بناها فوق أطواد
وأعينُ الماءِ تجري من جداولها صوارماً عرضوها غيرَ أغماد
والوُرْقُ تهتف والأظلالُ وارفةٌ والريحٌ تدفع ميّاداً لميّاد
لو استطعتُ لأهديتُ الخلودَ لها لو كان شيءٌ على الدنيا لإخلاد
****
أنتِ «المطيرةُ»(1) في ظلّ وفي شجرٍ فقدتِ أصواتَ رهبانٍ وعُبّاد
أُعيذ حسنَكِ بالرحمن مُبدعِهِ يا قُرّةَ العينِ من عَينٍ وحُسّاد
وضعتُ رحليَ منها بالكرامة في دارِ ابنِ بَجْدتِها «نصرِ بنِ شدّاد»(2)
فاقتادتِ اللبَّ مني قَوْدَ ذي رسنٍ ورقاءَ أهدتْ لنا لحناً بتَرداد
هاتي الحديثَ رعاكِ اللهُ مسعفةً وأَسْعدي فكلانا ذو هوًى بادي
فحرّكتْ لهوى الأوطانِ أفئدةً وأحرقتْ نِضوَ أحشاءٍ وأكباد
هوًى إلى النيل يُصبيني، وساكنُهُ أُجلّه اليومَ عن حصرٍ وتَعداد
وحاجةٌ ما يُعنّيني تطلُّبُها لولا زماني ولولا ضيقُ أصفادي
****
يا سعدُ «سعدُ بني وهبٍ»(3) أرى ثمراً فجُدْ فديتُكَ للعافي بعِنْقاد
وإنّ في بعض ما قد عافَ شاربُكم إعتابَ ذي الفضلِ «يحيى» و«ابنِ عبّاد»(4)
ورقاءُ إنّكِ قد أسْمعتِني حَسَناً هيّا اسمعي فَضْلَ إنشائي وإنشادي
إنا نديمانِ في شَرْع النوى فخُذي يا بنتَ ذي الطوقِ لحناً من بني الضاد
فربّما تجمع الآلامُ إنْ نزلتْ ضدّين في الشكل والأخلاق والعاد
لا تُنكريني فحالي كلُّها كرمٌ ولا يُريبكِ إتْهامي وإنجادي
وأنتَ يا عيدُ ليت اللهَ أبدلني منكَ الغداةَ بعوّاد وأعواد
ما لي وللعيد والدنيا وبهجتِها وقد مضى أمسِ أترابي وأندادي
****
أولئك الغرُّ إخواني ومن ذهبتْ بهم مواسمُ أفراحي وأعيادي
مضَوْا، فهل علموا أني شقيتُ بمن ألبستُه ثوبَ إعزازٍ وإسعاد؟
لم يُجْزِني، لاجزاه اللهُ، صالحةً بِرّاً ببِرٍّ وإرفاداً بإرفاد
لقيتُه أمسِ في طِمْرين مقتحماً دَوّاً بلا مركبٍ فيه ولا زاد
فظِلْتُ أُوسعه بِرّاً وتكرمةً حتى غدا وَهْو ذو وشيٍ وأَبْراد
وحينما قلتُ إني قد ملأتُ يدي إذ غرّني صوتُ إبراقٍ وإرعاد
تحوّل الحالُ عمّا كنتُ أسمع من وعدِ المثوبةِ والزُّلفى لإيعاد
أبحتَ مني حِمىً قد كان ممتنعاً حِمى البهاليلِ: آبائي وأجدادي
صيّرتَه بعد ذاك الأمنِ مَسْبعةً تحمي مَرشّةَ أطيارٍ وآساد
إن ترضَ بالحكم فالقرآنُ ذو حَكَمٌ وها أولو العلمِ والتاريخِ أَشْهادي
هادٍ يضلّ وحيرانٌ يُدلّ وما طولُ البليّةِ إلا حيرةُ الهادي
****
أغرقتَها فانجُ إنْ كنتَ اللبيبَ ولا أراكَ تسلم من بحرٍ وإزباد
واصبرْ تذقْ مُرَّ ما ذاق الذين بغَوْا من قبلُ، واللهُ للباغي بمرصاد
لا تخدعَنَّكَ نُعْمْى قد حبَوْكَ بها ولا الزعانفُ من رهطٍ وأجناد
فلستُ أيأسُ من عدل المليكِ بأنْ يُخني عليهم كما أخنى على «عاد»
لثمتُ كفّاً ولا أدري الذي اشتملتْ أصابعُ الصِّيدِ أم أشراكُ صَيّاد؟!
وليتَ شعريَ هل عَرْفَ السماحةِ ما أشمُّ أم عَرْفَ «دارينا» و«بغداد»؟
مهامهٌ غرّني لمعُ السراب بها ومذهبٌ لم أكن فيه بنَقّاد!
****
أستودع اللهَ ساداتٍ فقدتُهمُ حدا بهم، حيث لا ألقاهُمُ الحادي
تحيّةُ اللهِ يا أيامَ ذي سَلَمٍ أيامَ لم نخشَ بأسَ القاهرِ العادي
أيامَ كنا وكان الشملُ مجتمعاً وحيُّنا حيُّ طُلاّب وقُصّاد
فإن جرى ذكرُ أربابِ السماحةِ أو نادى الكرامُ فإنا بهجةُ النادي
لنا الكؤوسُ ونحن المنتشون بها منّا السقاةُ ومنّا الصادحُ الشادي
واليومَ أبدتْ لنا الدنيا عجائبَها بما نُقاسيه من حربٍ وأحقاد
وما رمى الدهرُ وادينا بداهيةٍ مثل الأليمين: تفريقٍ وإبعاد
لم نجنِ ذنباً، ففيمَ الحيفُ مُقترَفاً؟ وما لنا اليومَ في سدٍّ وإيصاد
ما نحن «يأجوجَ» بل قومٌ ذوو أَرَبٍ في الصالحات ولسنا قومَ إفساد
بني أبي أنتُمُ زيدٌ على مائةٍ وما عدمتم أخا هديٍ وإرشاد
عزّ النصيرُ وقلَّ المستعانُ بهِ ومَن يَهبّ إذا يُدعى لإنجاد
سِيروا كراماً على اسم اللهِ لا تهنوا فدهرُكم دهرُ إصدارٍ وإيراد
فما الفلاحُ وما سعيُ الشعوبِ لهُ لدى الحقيقةِ إلا سعيُ أفراد
إن يُرسلِ اللهُ من عليائه فَرَجاً نُدرَكْ وإلا فكلٌّ رهنُ مِيعاد

عهـد جـيرون محمد سعيد العباسي

عهـد جـيرون

محمد سعيد العباسي



أرقت من طول هم بات يعرونى يثير من لاعج الذكرى ويشجونى
منيت نفسى آمالا يماطلنى بها زمانى من حين الى حين
ألقى بصبرى جسام الحادثات ولى عزم أصد به ما قد يلاقينى
ولا أتوق لحال لا تلائمها حالى ، ولا منزل اللذات يلهينى
ولست أرضى من الدنيا وإن عظمت إلا الذى بجميل الذكر يرضينى
وكيف أقبل أسباب الهوان ولى آباء صدق من الغر الميامين
النازلين على حكم العلا أبداً من زينوا الكون منهم أى تزيين
من كل أروع فى أكتاده لبد كالليث والليث لا يغضى على هون
* * *
وقد سلا القلب عن سلمى وجارتها وربما كنت أدعوه فيعصينى
ما عذر مثلى فى استسلامه لهوى يا حالة النقص ما بى حاجة بينى
ما أنس لا أنس إذ جاءت تعاتبنى فتانة اللحظ ذات الحاجب النون
يا بنت عشرين والأيام مقبلة ماذا تريدين من موءود خمسين؟
قد كان لى قبل هذا اليوم فيك هوى أطيعه ، وحديث ذو أفانين
ولا منى فيك والاشجان زائدة قوم وأحرى بهم ألا يلومونى
أزمان أمرح فى برد الشباب على مسارح اللهو بين الخرد العين
والعود أخضر وألايام مشرقة وحالة الأنس تغرى بى وتغرينى
فى ذمة الله محبوب كلفت به كالريم جيدا وكالخيروز فى اللين
* * *
أفديه فاتر ألحاظ وتل له "أفديه" حين سعى نحوى يفدينى
يقول لى وهو يحكى البرق مبتسما "يا أنت يا ذا" وعمدا لا يسمينى
أنشأت أُسمعه الشكوى ويسمعنى أدنيه من كبدى الحرى ويدنينى
أذر فى سمعه شيئا يلذ له قد زانه فضل إبداعى وتحسينى
فبات طوع مرادى طول ليلته من خمر دارين أسقيه ويسقينى
يا عهد جيرون كم لى فيك من شجن باد سقاك الرضا يا عهد جيرون
ولا يزال النسيم الطلق يحمل لى ريا الجناب ويرويه فيروينى
واليوم مذ جذبت عنى أعنتها هذى الظباء وولت وجهها دونى
وعارض العارضين الشيب قلت له أهلاً بمن رجحت فيه موازينى
كففت غرب التصابى والتفت الى حلمى ، ولم أك فى هذا بمغبون
وصرت لا أرتضى إلا العلا أبداً ما قد لقيتُ من التبريح يكفينى
* * *

الهواري ياسر: ام بادر للشاعر السوداني الناصر قريب الله

الهواري ياسر: ام بادر للشاعر السوداني الناصر قريب الله

ام بادر للشاعر السوداني الناصر قريب الله

هذه قصيدة من اجمل القصائد التي قيلت في وصف الطبيعة .. يقدم فيها الشاعر صورة تلو الاخري فحصباؤها كالكرات وسحابها الثقيل المليء بالمياه والخير والكثيب الذي يتباري مع الصفا والغابات التي تحجب الشمس وكانها تهزم ضوء الشمس ذائقا اياها بأس الظلال وامطار الخريف كالدموع الغزيرة وما ان تهطل حتي تحولها الي حسناء اكملت زينتها .. والهضاب التي تشرئب حتي لكأنها تصل الي موضع السحاب .. ولا ينسي تلك الفتاة التي قابلها في وادي الوكيل ورآها تجني ثمر السنط وحيدة كالغزال .. ويا لروعة وصفه لتلك الفتاة وهي تقف علي احد الاغصان وتمد يدها الي الثمار في غصن آخر ..
لقد آنسته تلك الصور الرائعة وذادت في شوقه الي هذه الديار العظيمة .. !!!!!



------------------------------------------------------------------------


ام بادر




آي حظ رزقته في الكمال واحتوي سره ضمير الرمال
فتناهي إليك كل جميل قد تناهي إليه كل جمال
فكأن الحصباء فيه كرات قد طلاها بناصع اللون طال
وتعالت هضابك المشرئبات إلي مورد السحاب الثقال
قادني نحوهن كل كثيب قد تباري مع الصفا في المقال
طالما فيأت حواشيك غابات تذيق النهار بأس الليالي
ينفذ النور نحوها فيوافي من رقيق الظلام في سريال
ما أخوها الجريء يامن عقباها وان كان صائد الرئبال
بين أطرافها مخاوف أداهن بعد الهدي وقرب الضلال
فاذا عادها الخريف وأفضي في العشيات بالدموع التوالي
فهي حسناء تزدهيها المرايا ذات صدر مفوف الوشي حال
قد تحاشي ظلالها السفر لما أطرقت للمياه والأوحال
وتشهت ثواقب النور ملهي بين احضان مائها السلسال
بينما جرت الثعابين اجسا دا لها في الجذوع جر الحبال
وارنت طيورها بين مطياف بها او مسبح في الاعالي
كم لوادي (الوكيل) عندي ذكري زادها جدة مرور الليالي
وفتاة لقيتها ثم تجني ثمر السنط في انفراد الغزال
تمنح الغصن اسفلي قدميها ويداها في صدر آخر عال
فيظل النهدان في خفقان ال موج والكشح مفرطا في الهزال
شاقني صوتها المديد تنادي والعصافير ذاهب الآمال
فتغشيتها وفيها ابتسام يحمل الخمر في كؤوس لآلي
اي انس اتاحه ذلك اليوم واي الجواء فيه صفا لي
فجزي الكاهلية الحب عني ما جزتني عن جرأتي واتصالي
ياديارا اذا حننت اليها فحنين السجين للترحال
لست انساك والبروق تجاوبن وروح النهار في اضمحلال
وكأن السحاب ضاق به الجو فانخي علي بالاقبال
يتنادي كأن كل هزيم صائحا بالمسافرين عجال
حين زف الهجين بي طربا ينفي حصي البيد عن يد مرقال
ولعيني في الفضاء شرود لم يقف دون شاهقات الجبال
استشف الجبال في ظلل الغيم رقاق الحلي كثاف الجلال
واشم العبير من كل واد حالم بالنعيم تحت السيال
والمها رتع شوارد الحاظ أمن صيد صائد لا تبالي ؟
ان تكن يا سحاب بللت اثوابي سخيا بدمعك الهطال
فلقد كنت منقذي وبشيري من جراح الحياة بالابلال
يا متاعا لدي الطبيعة القاه فانسي متاعبي في ارتحالي
ما انا والربوع كابدت فيها ظمأ الروح وافتقار الخيال
كل ابوابها طوارق هم بتن دون الرتاج والاقفال
لم اجد عالم السعادة حتي عظمت منيتي فخفت

الجمعة، 20 نوفمبر 2009

نبذه عن إدريس محمد جماع :-
من شعراء السودان إدريس محمد جماع المولود عام 1922م في حلفاية الملوك في السودان، وتلقى تعليمه في السودان وتدرج في التعليم حتى تخرج من كلية المعلمين وعين مدرساً ومكث مدة، وبعدها انتقل إلى مصر عام 1947م ونال شهادة الليسانس في اللغة العربية وآدابها ثم عاد إلى السودان من جديد وواصل التدريس في مدارس السودان


أعلى الجمال تغار منا
إدريس جمّـاع



أعلى الجمال تغار منا
ماذا عليك إذا نـظرنا
هى نظرةً تنسى الوقارَ
وتسعدُ الروحَ المعنىّ
دنـياى أنت وفـرحتى
ومنى الفؤادِ إذا تَمَنىّ
أنتَ السماءُ بدتْ لـنا
واستعصمتْ بالبعدِ عنا
هلاَّ رحـمتَ مـتيمـا
عصفت به الأشواق وهنا
وهفت به الذكرى فطاف
مع الدجى مغنى فمغنى
هـزته مـنك مـحاسن
غنى بها لـمّـَا تـغنَّى
يا شعلةً طافتْ
خواطرنا حَوَالَيْها وطــفنــا
أنـسـت فيكَ قداسةً
ولــمستُ إشراقاً وفناً
ونظـُرتُ فـى عينيكِ
آفاقاً وأسـراراً ومعـنى
كلّمْ عهـوداً فى الصـبا
أسألْ عهـوداً كيف كـُنا
كـمْ باللقا سمـحتْ لنا
كـمْ بالطهارةِ ظللـتنا
ذهـبَ الصـبا بعُهودِهِ
ليتَ الطِـفُوْلةَ عـاودتنا

ليتنى ... قصيدة جديدة للشريف زين العابدين الهندى

ليتنى ... قصيدة جديدة للشريف زين العابدين الهندى


ليتنى لو كنت أصغر

بمعدل نصف عمرى ليس أكبر

أو ليت لو أن عمرك أكبر

خمس أعوام وخمس ليس أكثر

كنت احببتك أكثر

ونثرت الحب في كفيك جوهر

وكسوت الكون من ديباجك أخضر

وسرحت في عينيك حتى أتبعثر

وتغنيت نشيداً

يجعل الانسان يسكر

وجعلت البحر والأنهار سكر

وزرعت الأرض ورداً ورياحين وعنبر

وجعلت الريح بستاناً معطر

ونسجت النجم عقداً وسوارين ومئزر

وصنعت الشمس تاجاً

كجبين لك أنضر

وتدليت الثريا بين نهديك لتظهر

وجمعت الضوء والنور نطاقاً يتخنصر

قد بعثت الروح في قلبى غراماً يتفجر

وتذكرت عهوداً

كان عمرى فيها أخضر

كلما ظلل غيم شاقه الطل فأمطر

صار للوجد رياضاً ونما فيها وأزهر

جعل الحب حياة ومزامير ومزهر

كلما أشرق بدر

كان حباً يتمخطر

أو هفا الجو بعطر

كان بشرى لمعطر

كلما غنى هزار ارجع الشجو بأكثر

أو شدى البلبل لحناً هاجه الشوق فأشعر

يجتنى الروض رحيقاً

وشذى الأزهار كوثر

كان اصباحنا زهوراً

وليالى الحب أقصر

كلما شقشق فجر

قلت للصبح تأخر

وسألت الشمس لا تأتي قليل الحب أنور

ذاك عهد قد تولى

لم يعد ما فيه يذكر

كان ما كان وولى وتدثر

وبقيت الآن كوناً يتكسر

وكياناً كلما سار تعثر

واذا حن الى الماضى تحسر

لم يعد في العمر الا ما تذكر

فدعينى ان وقتى قد تأخر

فأقبلى عذري فأني اتعذر

فأمانيّ سراب في دموع تتحدر

سأغنى في خفوت

ليتنى لو كنت أصغر

أو ليت لو عمرك أكبر

الخميس، 12 نوفمبر 2009

الفيتوري يافوت العرش

ياقوت العرش000للشاعر / الفيتورى
****************************************

دنيا لا يملكها من يملكها
أغنى أهليها سادتها الفقراء
الخاسر من لم يأخذ منها
ما تعطيه على استيحاء
والغافل من ظنّ الأشياء
هي الأشياء!
تاج السلطان الغاشم تفاحه
تتأرجح أعلى سارية الساحة
تاج الصوفي يضيء
على سجادة قش
صدقني يا ياقوت العرش
أن الموتى ليسوا هم
هاتيك الموتى
والراحة ليست
هاتيك الراحة
**********
عن أي بحار العالم تسألني يا محبوبي
عن حوت
قدماه من صخر
عيناه من ياقوت
عن سُحُبٍ من نيران
وجزائر من مرجان
عن ميت يحمل جثته
ويهرول حيث يموت
لا تعجب يا ياقوت
الأعظم من قدر الإنسان هو الإنسان
القاضي يغزل شاربه !!!
وحكيم القرية مشنوق
والقردة تلهو في السوق
يا محبوبي ..
ذهب المُضْطَّر نحاس
قاضيكم مشدود في مقعده المسروق
يقضي ما بين الناس
ويجرّ عباءته كبراً في الجبانه
*********
لن تبصرنا بمآقٍ غير مآقينا
لن تعرفنا
ما لم نجذبك فتعرفنا وتكاشفنا
أدنى ما فينا قد يعلونا
يا قوت
فكن الأدنى
تكن الأعلى فينا
***
وتجف مياه البحر
وتقطع هجرتها أسراب الطير
والغربال المثقوب على كتفيك
وحزنك في عينيك
جبال
ومقادير
وأجيال
يا محبوبي
لا تبكيني
يكفيك ويكفيني
فالحزن الأكبر ليس يقال 00000

متعب بعروبتي نــــــزار قبـــــــاني



مقتـل القـمر

أمل دنقل
....وتناقلوا النبأ الأليم على بريد الشمس
في كل مدينة ،
(( قُتِل القمـــر ))!
شهدوه مصلوباً تَتَدَلَّى رأسه فوق الشجر !
نهب اللصوص قلادة الماس الثمينة من صدره!
تركوه في الأعواد ،
كالأسطورة السوداء في عيني ضرير
ويقول جاري :
-(( كان قديساً ، لماذا يقتلونه ؟))
وتقول جارتنا الصبية :
- (( كان يعجبه غنائي في المساء
وكان يهديني قوارير العطور
فبأي ذنب يقتلونه ؟
هل شاهدوه عند نافذتي _قبيل الفجر _ يصغي للغناء!؟!؟))
..... ........ .......
وتدلت الدمعات من كل العيون
كأنها الأيتام – أطفال القمر
وترحموا...
وتفرقوا.....
فكما يموت الناس.....مات !
وجلست ،
أسأله عن الأيدي التي غدرت به
لكنه لم يستمع لي ،
..... كان مات !
****
دثرته بعباءته
وسحبت جفنيه على عينيه...
حتى لايرى من فارقوه!
وخرجت من باب المدينة
للريف:
يا أبناء قريتنا أبوكم مات
قد قتلته أبناء المدينة
ذرفوا عليه دموع أخوة يوسف
وتفرَّقوا
تركوه فوق شوارع الإسفلت والدم والضغينة
يا أخوتي : هذا أبوكم مات !
- ماذا ؟ لا.......أبونا لا يموت
- بالأمس طول الليل كان هنا
- يقص لنا حكايته الحزينة !
- يا أخوتي بيديّ هاتين احتضنته
أسبلت جفنيه على عينيه حتى تدفنوه !
قالوا : كفاك ، اصمت
فإنك لست تدري ما تقول !
قلت : الحقيقة ما أقول
قالوا : انتظر
لم تبق إلا بضع ساعات...
ويأتي!
***
حط المساء
وأطل من فوقي القمر
متألق البسمات ، ماسيّ النظر
- يا إخوتي هذا أبوكم ما يزال هنا
فمن هو ذلك المُلْقىَ على أرض المدينة ؟
قالوا: غريب
ظنه الناس القمر
قتلوه ، ثم بكوا عليه
ورددوا (( قُتِل القمر ))
لكن أبونا لا يموت
أبداً أبونا لايموت !
ضــد مــن

أمـل دنقـل
في غُرَفِ العمليات,
كان نِقابُ الأطباءِ أبيضَ,
لونُ المعاطفِ أبيض,
تاجُ الحكيماتِ أبيضَ, أرديةُ الراهبات,
الملاءاتُ,
لونُ الأسرّةِ, أربطةُ الشاشِ والقُطْن,
قرصُ المنوِّمِ, أُنبوبةُ المَصْلِ,
كوبُ اللَّبن,
كلُّ هذا يُشيعُ بِقَلْبي الوَهَنْ.
كلُّ هذا البياضِ يذكِّرني بالكَفَنْ!
فلماذا إذا متُّ..
يأتي المعزونَ مُتَّشِحينَ..
بشاراتِ لونِ الحِدادْ?
هل لأنَّ السوادْ..
هو لونُ النجاة من الموتِ,
لونُ التميمةِ ضدّ.. الزمنْ,
***
ضِدُّ منْ..?
ومتى القلبُ - في الخَفَقَانِ - اطْمأَنْ?!
***
بين لونين: أستقبِلُ الأَصدِقاء..
الذينَ يرون سريريَ قبرا
وحياتيَ.. دهرا
وأرى في العيونِ العَميقةِ
لونَ الحقيقةِ
لونَ تُرابِ الوطنْ!

الهَرَمُ الـرَابِعْ

نزار قباني



السيّدُ نامْ
السيّدُ نام
السيّدُ نامَ كنومِ السيفِ العائدِ من إحدى الغزواتْ
السيّدُ يرقدُ مثلَ الطفلِ الغافي.. في حُضنِ الغاباتْ
السيّدُ نامَ..
وكيفَ أصدِّقُ أنَّ الهرمَ الرابعَ ماتْ؟
القائدُ لم يذهبْ أبداً
بل دخلَ الغرفةَ كي يرتاحْ
وسيصحو حينَ تطلُّ الشمسُ..
كما يصحو عطرُ التفاحْ..
الخبزُ سيأكلهُ معنا..
وسيشربُ قهوتهُ معنا..
ونقولُ لهُ..
ويقولُ لنا..
القائدُ يشعرُ بالإرهاقِ..
فخلّوهُ يغفو ساعاتْ..





يا مَن تبكونَ على ناصرْ..
السيّدُ كانَ صديقَ الشمس..
فكفّوا عن سكبِ العبراتْ..
السيّد ما زالَ هُنا..
يتمشّى فوقَ جسورِ النيلِ..
ويجلسُ في ظلِّ النخلاتْ..
ويزورُ الجيزةَ عندَ الفجرِ..
ليلثمَ حجرَ الأهراماتْ.
يسألُ عن مصرَ.. ومَن في مصرَ..
ويسقي أزهارَ الشرفاتْ..
ويصلّي الجمعةَ والعيدينِ..
ويقضي للناسِ الحاجاتْ
ما زالَ هُنا عبدُ الناصرْ..
في طميِ النيلِ، وزهرِ القطنِ..
وفي أطواقِ الفلاحاتْ..
في فرحِ الشعبِ..
وحزنِ الشعب..
وفي الأمثالِ وفي الكلماتْ
ما زالَ هُنا عبدُ الناصرْ..
من قالَ الهرمُ الرابعُ ماتْ؟





يا مَن يتساءلُ: أينَ مضى عبدُ الناصرْ؟
يا مَن يتساءلُ:
هلْ يأتي عبدُ الناصرْ..
السيّدُ موجودٌ فينا..
موجودٌ في أرغفةِ الخُبزِ..
وفي أزهارِ أوانينا..
مرسومٌ فوقَ نجومِ الصيفِ،
وفوقَ رمالِ شواطينا..
موجودٌ في أوراقِ المصحفِ
في صلواتِ مُصلّينا..
موجودٌ في كلماتِ الحبِّ..
وفي أصواتِ مُغنّينا..
موجودٌ في عرقِ العمّالِ..
وفي أسوانَ.. وفي سينا..
مكتوبٌ فوقَ بنادقنا..
مكتوبٌ فوقَ تحدينا..
السيّدُ نامَ.. وإن رجعتْ
أسرابُ الطيرِ.. سيأتينا..

نزار قبـاني
سقطتْ آخرُ جدرانِ الحياءْ وفرحنا.. ورقصنا.. وتباركنا بتوقيعِ سلامِ الجبناءْ لم يعد يرعبنا شيءٌ.. ولا يخجلنا شيءٌ فقد يبستْ فينا عروقُ الكبرياءْ... سقطتْ.. للمرةِ الخمسينِ عذريّتنا.. دونَ أن نهتزَّ.. أو نصرخَ.. أو يرعبنا مرأى الدماءْ.. ودخلنا في زمانِ الهرولهْ.. ووقفنا بالطوابيرِ، كأغنامٍ أمامَ المقصلهْ وركضنا.. ولهثنا وتسابقنا لتقبيلِ حذاءِ القتلهْ.. جوَّعوا أطفالنا خمسينَ عاماً ورمَوا في آخرِ الصومِ إلينا.. بصلهْ... سقطتْ غرناطةٌ للمرّةِ الخمسينَ – من أيدي العربْ. سقطَ التاريخُ من أيدي العربْ. سقطتْ أعمدةُ الروحِ، وأفخاذُ القبيلهْ. سقطتْ كلُّ مواويلِ البطولهْ. سقطتْ إشبيليهْ.. سقطتْ أنطاكيهْ.. سقطتْ حطّينُ من غيرِ قتالٍ.. سقطتْ عموريَهْ.. سقطتْ مريمُ في أيدي الميليشياتِ فما من رجلٍ ينقذُ الرمزَ السماويَّ ولا ثمَّ رجولهْ.. سقطتْ آخرُ محظيّاتنا في يدِ الرومِ، فعنْ ماذا ندافع؟ لم يعدْ في قصرِنا جاريةٌ واحدةٌ تصنعُ القهوةَ.. والجنسَ.. فعن ماذا ندافعْ؟؟ لم يعدْ في يدنا أندلسٌ واحدةٌ نملكها.. سرقوا الأبوابَ، والحيطانَ، والزوجاتِ، والأولادَ، والزيتونَ، والزيتَ، وأحجارَ الشوارعْ. سرقوا عيسى بنَ مريمْ وهوَ ما زالَ رضيعاً.. سرقوا ذاكرةَ الليمون.. والمشمشِ.. والنعناعِ منّا.. وقناديلَ الجوامعْ تركوا علبةَ سردينٍ بأيدينا تسمّى "غزّة" عظمةً يابسةً تُدعى "أريحا" فندقاً يدعى فلسطينَ.. بلا سقفٍ ولا أعمدةٍ.. تركونا جسداً دونَ عظامٍ ويداً دونَ أصابعْ... بعدَ هذا الغزلِ السريِّ في أوسلو خرجنا عاقرينْ.. وهبونا وطناً أصغرَ من حبّةِ قمحٍ.. وطناً نبلعهُ من دون ماءٍ كحبوبِ الأسبرينْ!! لم يعدْ ثمةَ أطلالٌ لكي نبكي عليها. كيفَ تبكي أمةٌ سرقوا منها المدامعْ؟ بعدَ خمسينَ سنهْ.. نجلسُ الآنَ على الأرضِ الخرابْ.. ما لنا مأوى كآلافِ الكلابْ!! بعدَ خمسينَ سنهْ ما وجدنا وطناً نسكنهُ إلا السرابْ.. ليسَ صُلحاً، ذلكَ الصلحُ الذي أُدخلَ كالخنجرِ فينا.. إنهُ فعلُ اغتصابْ!!.. ما تفيدُ الهرولهْ؟ ما تفيدُ الهرولهْ؟ عندما يبقى ضميرُ الشعبِ حياً كفتيلِ القنبلهْ.. لن تساوي كلُّ توقيعاتِ أوسلو.. خردلهْ!!.. كم حلمنا بسلامٍ أخضرٍ.. وهلالٍ أبيضٍ.. وببحرٍ أزرقَ.. وقلوعٍ مرسلهْ.. ووجدنا فجأةً أنفسنا.. في مزبلهْ!! من تُرى يسألهم عن سلامِ الجبناءْ؟ لا سلامِ الأقوياءِ القادرينْ. من تُرى يسألهم عن سلامِ البيعِ بالتقسيطِ..؟ والتأجيرِ بالتقسيطِ.. والصفقاتِ.. والتجّارِ والمستثمرينْ؟ وتُرى يسألهم عن سلامِ الميتينْ؟ أسكتوا الشارعَ.. واغتالوا جميعَ الأسئلهْ.. وجميعَ السائلينْ... ... وتزوّجنا بلا حبٍّ.. من الأنثى التي ذاتَ يومٍ أكلتْ أولادنا.. مضغتْ أكبادنا.. وأخذناها إلى شهرِ العسلْ.. وسكِرنا ورقصنا.. واستعَدنا كلَّ ما نحفظُ من شعرِ الغزلْ.. ثمَّ أنجبنا، لسوءِ الحظِّ، أولاداً معاقينَ لهم شكلُ الضفادعْ.. وتشرّدنا على أرصفةِ الحزنِ، فلا من بلدٍ نحضنهُ.. أو من ولدْ!! لم يكُن في العرسِ رقصٌ عربيٌّ أو طعامٌ عربيٌّ أو غناءٌ عربيٌّ أو حياءٌ عربيٌّ فلقد غابَ عن الزفّةِ أولادُ البلدْ.. كانَ نصفُ المهرِ بالدولارِ.. كانَ الخاتمُ الماسيُّ بالدولارِ.. كانتْ أجرةُ المأذونِ بالدولارِ.. والكعكةُ كانتْ هبةً من أمريكا.. وغطاءُ العرسِ، والأزهارُ، والشمعُ، وموسيقى المارينزْ.. كلُّها قد صنعتْ في أمريكا!! وانتهى العرسُ.. ولم تحضرْ فلسطينُ الفرحْ. بلْ رأت صورتها مبثوثةً عبرَ كلِّ الأقنيهْ.. ورأتْ دمعتها تعبرُ أمواجَ المحيطْ.. نحوَ شيكاغو.. وجيرسي.. وميامي.. وهيَ مثلَ الطائرِ المذبوحِ تصرخْ: ليسَ هذا العرسُ عرسي.. ليسَ هذا الثوبُ ثوبي.. ليسَ هذا العارُ عاري.. أبداً.. يا أمريكا.. أبداً.. يا أمريكا.. أبداً.. يا أمريكا..